عجبت لها أنى يكون غناؤها ... فصيحاً ولم تفغر بمنطقها فما
ولا فم لها، وإنما لها منقار، والفم للإنسان.
712 وقال الأصمعي: وإنما فعلت ذلك العرب، عند حاجتها أن تضرب مثلاً لشيء ليس في موضعه، لعلمها أن من سمعه يعرفه، فتفعل ذلك على هذا الوجه، ويقال للرجل: إنه لعريض البطان، ولا بطان له يشد عليه، وإنما يراد أنه لعريض الموسط، ويقال: حرك خشاشه فغضب، وإنما يحرك خشاش البعير، لأراد أنه حرك منه ما يغضب به، ويقولون: لوى فلان عذاره عني، وإنما العذار للفرس، ويقال لو جاريتني لجئت مضطرب العنان، أي مسترخي العنان.
وهذا باب: ما حرفوا الاسم فيه عن جهته وغلطوا فيه 713 قال الأصمعي: فمن ذلك قولهم [طويل] :
فإن تنسنا الأيام والدهر تعلموا ... بني قارب أنا غضاب لمعبد
أراد لعبد الله، وهو أخو دريد، ويدل على ذلك قوله في هذه القصيدة:
تنادوا فقالوا: أردت الخيل فارساً ... فقلت أعبد الله ذلكم الردى
714 وقال المفضل النكري [وافر] :
وسائلة بثعلبة بن سير ... وقد علقت بثعلبة العلوق
يريد بقوله "ابن سير" ابن سيار.
715 وقال غير الأصمعي: مثل ذلك قول أوس [طويل] :
فهل لكم فيها إليّ فإنني ... طبيب بما أعيا النطاسي حذيماً
والنطاسي: الحاذق بالأمر الماهر، وأراد ابن حذيم، وهو طبيب، كان في الجاهلية.
716 ومثله [رجز] :
صبحن من كاظمة الخص الخرب ... يحملن عباس بن عبد المطلب
أراد عبد الله بن عباس.
718 ومثله قول الراجز: "ومحور أخلص من ماء اليلب] واليلب: سيور يضم بعضها إلى بعض، ويجعل تحت البيض، فتوهم أن اليلب أجوف الحديد.
719 ومثله "مثل النصارى قتلوا المسيح" فتوهم، أن النصارى قتلوه.
720 ومثله قول ابن أحمر [كامل] :
لم تدر ما نسج اليرندج قبلها ... ودراس أعوص دارس متخدد
واليرندج: جلود سود فتخيل أنها مما ينسج.
721 وقال حميد بن ثور [كامل] :
لما تحملت الحمول حسبتها ... دوماً بأيلة ناعماً مكموماً
الدوم: شجر المقل، وإنما يكمم النخل، فظن أن الدوم يكمم.
722 وقال أبو نخيلة [رجز] :
برية لم تأكل المحرقا=ولم تذق من البقول الفستقا فتوهم أن الفستق من البقول.
723 وقال رؤبة [رجز] :
كما اتقى محرم حج إيدعاً ... [إذا امرؤ ذو سوءة تهقعا]
والأيدع: دم الخولق، فتوهم أن الأيدع: الزعفران أو الخلوق.734 ومثله قول الحطيئة [بسيط] :
فيه الرماح وفيه كل سابغة ... جدلاء محكمة من نسج سلام
أراد من نسيج سليمان.
725 ومثله قول النابغة [طوي] :
وكل صموت نثلة تبعية ... ونسج سليم كل فضاء ذائل
يريد بسليم: سليمان.
726 كما قال الأسود بن يعفر [كامل] :
[ودعا بمحكمة أمين سكها] =من نسج داود أبي سلام يريد: سليمان.
727 وقال الأعشى [متقارب] :
تطوف العاة بأبوابه ... كطوف النصارى ببيت الوثن
ولا وثن للنصارى إلا أن يكون ذهب إلى الصليب.
وهذا باب
الكناية بالشيء
728 قال أبو علي: هو أن تكني العرب بالشيء عن غيره، على طريق الاتساع.
729 قال الأصمعي: "إذا ذكرت العرب الثوب، فإنما تريد به البدن" قالت ليلى الخيلية [طويل] :
رموها بأثواب خفاف فلا ترى ... لها شبها إلا النعام المنقرا
تقول: رموها بأجسام خفاف، أي صاروا عليه خفافاً.
730 ويقال: "فلان أوسع بنية ثوباً، أي أكثرهم عندهم معروفاً.
وفلان غمر الرداء: إذا كان واسع الخلق" وأنشد [كامل] :
غمر الرداء إذا تبسم ضاحكاً ... غلقت لضحكته رقاب المال
وقال رؤبة "فقد أرى واسع جيب الكم" إنما أراد واسع الصدر، كثير العطاء، لأن العرب تكنى عن القلب بالجيب.
731 قال امرؤ القيس [طويل] :
ثياب بني عوف طهارى نقية ... وأوجههم عند المشاهد غران